**«حافة رطبة»: صرخات مكتومة وأرواح معلّقة في أدب الاغتراب النسوي**
في المشهد الأدبي العربي المعاصر، يحتل "أدب
الاغتراب" مساحة متزايدة الأهمية، كونه يعكس تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة.
وضمن هذا التيار، تبرز أعمال تقدم منظوراً نسوياً خالصاً، تتجاوز فيه سرديات السفر
والنجاح المهني لتغوص في الأعماق النفسية لتجربة المرأة في عوالم جديدة. وفي هذا
السياق، تأتي المجموعة القصصية «حافة رطبة» للكاتبة المصرية عزة سلطان، الصادرة عن
دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، كإضافة نوعية ومؤثرة، تقدم شهادة أدبية رفيعة عن هموم
النساء في الغربة، وتمنح صوتاً لتلك التجارب التي غالباً ما تبقى صامتة.
![]() |
**«حافة رطبة»: صرخات مكتومة وأرواح معلّقة في أدب الاغتراب النسوي** |
1. **ما
هي القضية المحورية التي تعالجها مجموعة «حافة رطبة» القصصية؟**
(تسلط
الضوء على معاناة النساء في الغربة، نفسياً وجغرافياً، والضغوط التي يواجهنها).
2. **بماذا
يتميز الأسلوب الأدبي للكاتبة عزة سلطان في تصويرها لمعاناة شخصياتها؟**
(يتميز
بالرهافة والنبرة الخافتة، وتجنب التعبير المباشر عن الحزن، مما يسمح بتفكيك الألم
بروية).
3. **إلى
جانب الاغتراب الجغرافي، ما هي أشكال المعاناة الأخرى التي تسلط القصص الضوء
عليها؟**
(البحث
عن عمل، والوحدة، والضغط لتلبية توقعات العائلة والأطفال).
4. **كيف
تعكس عناوين القصص، مثل «ثوب واسع» و«مشروب مجاني»، الأجواء العامة للمجموعة؟**
تتألف المجموعة
من خمس عشرة قصة قصيرة، تشكل معاً لوحة بانورامية لمعاناة متعددة الأوجه. لا تقتصر "الغربة" في عالم عزة سلطان على البعد الجغرافي المتمثل في الانتقال إلى بلد آخر، بل تتشعب لتصبح اغتراباً نفسياً وروحياً.
- تطرح القصص شخصيات نسائية يطبق عليها حصار خانق غير مرئي؛ حصار يتشكل من ضغط
- البحث عن فرصة عمل، وعبء الوفاء بتوقعات الأهل والأبناء الذين ينتظرون عودة مظفرة، وقسوة
- الوحدة التي تنهش الروح في ليالٍ طويلة لا أنيس
فيها.
**براعة أسلوبية في تصوير الألم**
يكمن الإنجاز الأبرز في «حافة رطبة» في البراعة الأسلوبية التي عالجت بها الكاتبة هذه الثيمات القاتمة. فبدلاً من السقوط في فخ الميلودراما أو التعبير الفج المباشر عن الحزن، نسجت سلطان نصوصها برهافة لافتة ونبرة تكاد تكون هامسة.
- إنها تقدم الألم في صورة شفيفة، تسمح للقارئ بالرؤية من خلاله، لا للوقوف عنده. وبهذه الطريقة، لا
- تصبح القصص مجرد تعداد للهموم، بل عملية دقيقة لتفكيك الألم بروية، وتتبع خيوطه للوصول إلى
- منابعه الأولى، مما يمنح القارئ
قدرة على فهم أعمق وأكثر تعاطفاً مع الشخصيات.
**عناوين كعتبات للحزن**
تأتي عناوين القصص كعتبات دالة على عوالمها الداخلية الملبدة بالأسى. ففي القصة التي تحمل اسم المجموعة، «حافة رطبة»، نجد أنفسنا أمام المفارقة المؤلمة لأم تضطر لاقتراض مبلغ زهيد لشراء هدايا لأطفالها، لأن فكرة عودتها خالية الوفاض تبدو أكثر إيلاماً من عبء الدين. وفي قصة «مشروب مجاني»، تصل الوحدة بالبطلة إلى درجة الخوف من فقدان قدرتها على الكلام.
- أما في «ثوب واسع»، فتتحول المدينة إلى وحش يدهس بطلتها بعد سبعة أشهر من البحث المضني
- عن عمل. وتستمر هذه النبرة في عناوين أخرى مثل «قلب يتسع للحزن والغربة»، و«الموت في
- مهمة أخرى»،
و«يوم حار وممر طويل بارد»، وكلها تشي بأجواء من القلق والترقب والخيبة.
**مقطع من روح المجموعة**
يتجلى هذا الأسلوب بوضوح في المقطع المقتبس من إحدى القصص، الذي يعمل كنموذج مصغر لعوالم المجموعة بأكملها. فالشخصية الرئيسية تحاول ممارسة فعل صغير من التجديد والأمل بشراء بلوزة جديدة، وهو فعل محفوف باللوم على إنفاق "عشرين درهماً كاملة".
هذه التفصيلة الصغيرة تكشف عن حجم الضائقة المادية. البلوزة هنا ليست مجرد ثياب، بل هي درع نفسي، محاولة لإظهار ثقة ونجاح غير موجودين.
- وتتحول المقابلة الشخصية إلى مسرح دقيق تتجلى فيه خبرتها في إخفاء يأسها، حيث تبتسم بهدوء
- ورائحة عطرها تملأ الغرفة، بينما يدور بداخلها صراع مرير. ثم يأتي الأمل الأخير ليس في الوظيفة
- ذاتها، بل في لمحة إنسانية بسيطة: تمييزها لوجه مصري بين الموظفين، وبصيص الأمل في أن تجد
- من تتحدث إليه بلغتها الأم.
الختام
في النهاية، تقدم «حافة رطبة» نفسها كعمل أدبي ناضج ومهم، لا يكتفي بتوثيق معاناة المرأة المغتربة، بل يرتقي بها إلى مستوى فني، مستخدماً لغة اقتصادية ودقيقة لرسم المشاعر المعقدة.
إنها مجموعة قصصية تنجح في
تحويل الصرخات المكتومة إلى أدب مؤثر، وتؤكد على أن أشد أنواع الغربة قسوة هي تلك
التي نشعر بها في دواخلنا، حتى ونحن محاطون بالبشر.